البعد الإنساني أصبح هاجساً دولياً للضغط على أطراف الصراع لإيقاف المعارك
هاشم علي حامد محمد كاتب وباحث في شؤون القرن الأفريقي
تتأثر الحرب الدائرة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعوامل عديدة تُخرجها من إطارها المحلي؛ فعبر تطوراتها الحالية وتفاعلات الظرف الإقليمي والاهتمام الدولي لم تعد قضية خلاف دستوري بين الجانبين في حيثيات الانتخابات البرلمانية، والحقوق القومية- الفيدرالية بعدما اتسعت تعقيداتها الإنسانية ودخل الشركاء الإقليميون والدوليون على خط الأزمة. فما مدى تأثير هذه الجوانب على الحرب، وهل يُشكّل البعد الإنساني مصدر ضغط لإيقافها؟
إحصاءات إنسانية
تتحدث الأمم المتحدة عن احتجاز المعارك مئات الآلاف من النازحين في العديد من المناطق. وأفادت بأن العمليات الإنسانية لا تزال مقيدة بشدة بسبب انعدام الأمن والعوائق البيروقراطية وعوامل أخرى، وقال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، إنه “خلال الفترة ما بين 4 إلى 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حصل نحو عشرة آلاف شخص فقط على مساعدات غذائية ويمثلون فقط نحو 1.2 في المئة من المستهدفين للحصول على المساعدة أسبوعياً”.
وبحسب الأمم المتحدة، “اعتباراً من 15 نوفمبر الماضي ثمة أقل من عشرة آلاف طن من مخزون الغذاء تبقت في إقليم تيغراي، وقالت “إن نحو ثمانية ملايين شخص في شمال إثيوبيا يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية حتى نهاية العام، وهم يعيشون وراء خطوط القتال”. وتواجه العمليات الإنسانية في جميع أنحاء إثيوبيا فجوة تمويلية تبلغ 1.3 مليار دولار، بما في ذلك 350 مليون دولار للاستجابة في تيغراي.
وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، “إلى أن إيصال الإمدادات الإنسانية إلى إقليم تيغراي لا يزال مقيداً بشدة من الحكومة عبر طريق الوصول الوحيد البري من منطقة عفار”. وتقول الأمم المتحدة، “إن نحو 900 شاحنة دخلت إلى تيغراي منذ 12 يوليو (تموز) الماضي، وهو ما يُمثل 14 في المئة فقط من المستهدف، بالنظر إلى احتياج الإقليم إلى 100 شاحنة في اليوم لتلبية الاحتياجات الإنسانية هناك”.
في وقت أفاد برنامج الأغذية العالمي “بارتفاع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية إنسانية في جميع أنحاء إثيوبيا إلى ما يقدر بنحو 9.4 مليون شخص نتيجة مباشرة للصراع. وفي بيان، صدر الجمعة 26 نوفمبر الحالي، أكد البرنامج “أن منطقة أمهرة شهدت أكبر قفزة في أعداد المحتاجين إلى مساعدات، حيث وصل العدد إلى 3.7 مليون شخص بحاجة ماسة إليها”.
وأضاف البرنامج، “إن معدلات سوء التغذية في أقاليم تيغراي وأمهرة وعفر تراوحت ما بين اثنين و16 في المئة للأطفال. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن ما يصل إلى 50 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في أمهرة وتيغراي يعانين سوء التغذية أيضاً”.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أدهانوم غيبرييسوس حذر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، “من أن حياة ملايين الأشخاص (في إقليم تيغراي) على المحك”، لافتاً إلى “أن الأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة يموتون بسبب نقص الطعام والدواء”. وأضاف، “عندما لا يكون لدى الناس ما يكفي من الطعام يكونون أكثر عرضة للأمراض الفتاكة، فضلاً عن خطر المجاعة، وهذا ما نراه الآن في تيغراي، وأن ما يزيد على المليون شخص يعيشون معزولين من دون وصول أي إغاثات لهم في مناطق تيغراي، نتيجة سياسات تضييق حكومية”.
البُعد الإنساني فيما يُشكّله من خطر ومأساة، الذي تحدثت عنه المنظمات الدولية عبر إحصاءاتها، أشارت إليه كذلك الحكومة الإثيوبية بقولها “إن أكثر من مليوني شخص تضرروا في مناطق احتلتها جبهة تحرير تيغراي في إقليمي أمهرة وعفر أخيراً”. كما أشارت إلى “لجوء أعداد كبيرة من المواطنين في العديد من المدن في وللو وأمهرة وعفر، بسبب تصاعد الحرب، إلى مدن أخرى، واضطرارهم مع أعداد مضاعفة إلى لجوء ثانٍ إلى مدن مجاورة، في ظروف القتال”.
وظهرت أخيراً ملامح هذا اللجوء وبوضوح في العاصمة أديس أبابا، التي لا تزال تستقبل تدفقات من لاجئي المدن المجاورة من مناطق وللو. وكانت المباحثات الأخيرة التي أجراها المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان في 23 نوفمبر الحالي، مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكنن، قد تناولت الجوانب الإنسانية بعد فشلها في الجوانب الأخرى في وقف القتال والتوصل إلى سلام بين الطرفين.
هذا الوضع الإنساني أصبح يُشكل للمجتمع الدولي هاجساً حقيقياً يشبّهه البعض بالظروف التي عاشتها (البوسنة والهرسك) القرن الماضي ما بين (1992 إلى 1995)، وعلى الرغم من الاختلاف في الحيثيات ونوعية المخاطر، وما كان للمناخ العالمي من دور في انهيار النظام الاشتراكي، فإن الطابع الإقليمي، والمأساة الإنسانية تمثل قاسماً مشتركاً في الحربين.
الفشقة والإقليمية
البُعد الإقليمي ربما يكون دافعاً لاستمرارية المعارك الحالية بين الطرفين الحكومي وتحالف جبهة تحرير تيغراي، وهو يتأكد كل يوم كونه غير بعيد وداعماً في الخفاء للأزمة سواء عبر إنزال جوي بأديس أبابا من دول خارجية، أو عبر دعم لوجيستي يصل إلى مدن دسي، وكومبولشا، وشواروبييت، أو دبرا سينا بإقليم وللو، أو على محاور أخرى للقتال في جبهات أمهرة وعفر، وأروميا، وبني شنقول، وقد اتضحت أبعاده في (الخطاب الحكومي) لأديس أبابا حينما كشفت أخيراً عن ضبطها أسلحة، وعناصر متسللة عبر إقليم بني شنقول على الحدود السودانية الإثيوبية.
وكان رئيس الوزراء آبي أحمد قال في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي “إن بلاده تتعرض إلى مؤامرة واستهداف من أطراف خارجية”. وأضاف عبر بيان “نحن ملزمون تاريخياً بالدفاع عن اسم إثيوبيا”، وأشار “نحن الآن في المراحل النهائية لإنقاذ البلاد، ولقد نسق أعداؤنا من الداخل والخارج لمهاجمتنا”، وأردف، “أعداؤنا التاريخيون الذين لا يرغبون في رؤية إثيوبيا تنمو”.
ويُفسر المراقبون ضمن ما ورد، أن المقصود بـ”الأعداء التاريخيين” صراحة السودان ومصر، في حيثيات قضية المياه، والخلاف الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا على منطقة الفشقة، إلى جانب قضية سد النهضة التي ظلت أخيراً خلافاً مستمراً في علاقة الأطراف الثلاثة.
وتأتي الأحداث الأخيرة في منطقة الفشقة فيما حملته التقارير من نشوب معارك بين قوات إثيوبية وسودانية في منطقة “بركة نورين” بالفشقة الصغرى، التي أدت إلى مقتل أفراد من الجانبين، واتهم فيها السودان الجيش الإثيوبي والميليشيات التابعة لإقليم أمهرة بالعمل لإفشال موسم الحصاد بالمنطقة. كذيول متصلة بأوضاع الحرب الدائرة، على الرغم من النفي الإثيوبي، وما تمثله الحادثة كقضية حدودية.
وكانت إريتريا التي شارك جيشها في (حرب إنفاذ القانون) في نوفمبر 2020 على إقليم تيغراي، قد اعترفت أخيراً، وللمرة الثانية بسحب ما تبقى لها من قوات في إثيوبيا، معلنة ذلك للأمين العام للأمم المتحدة، وهو إعلان يصفه المراقبون بأنه ذو دلالة لحقيقة الدور الإقليمي لإريتريا في الأزمة حالياً.
وضمن ما تشير إليه التطورات كذلك، كانت مصادر دولية تحدثت عن تغيرات متسارعة في الوضع العسكري الميداني لصالح حكومة آبي أحمد، حسب ما صرحت به، الخميس الماضي، مبعوثة الاتحاد الأوروبي إلى القرن الأفريقي أنيت ويبر، ونقلت الحكومة الإثيوبية نبأ هذا التقدم إلى شعبها في جملة التطمينات بمسار المعارك وطرد مناخ الذعر الذي ظلت تعيشه أديس أبابا على مدى الأيام الماضية من تهديدات حركة تيغراي.
وعلى صعيد متصل أكدت مصادر أجنبية وعربية أيضاً تلقي إثيوبيا دفعات من المساعدات العسكرية في حربها الحالية. وزارت المسؤولة الأوروبية ويبر الإمارات في 21 نوفمبر الحالي. وقالت ضمن مشاركتها في حوار المنامة الذي استضافته البحرين، “إن التشرذم الموجود في المنطقة يُسهل التدخلات الأجنبية بها”.