كتبت – سلمى حليم:
“لا استطيع محو ذلك المشهد من خيالي.. ذلك اليوم قُتل ثلاثة من أصدقائي بالرصاص.. رأيت أجسادهم ممزقة داخل المنزل، ما أصابني وأمي بالرعب”.. هكذا يصف مواطن إثيوبي من تيجراي، ما عايشه جراء ويلات الحرب في الإقليم.
تتبدل الأحوال في إثيوبيا من سيء إلى أسوأ، تزامنا مع الحرب الدائرة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيجراي، خاصة بعدما انتقلت عدوى الحرب في البلد الذي حاز فيه رئيس وزرائه على جائزة نوبل للسلام في نوفمبر 2020، إلى عدة أقاليم بالبلاد، في ظرف عام واحد.
تأزمت الأوضاع الإنسانية في عدة أقاليم إثيوبية، لاسيما تيجراي. ووفق برنامج الأغذية العالمي يوجد 9 ملايين شخص في شمال إثيوبيا يحتاجون للمساعدة.
ورغم إعلان جبهة تحرير تيجراي الانسحاب من المناطق التي دخلتها مؤخرا، مقابل عدم تقدم القوات الحكومية تجاه الإقليم، إلا أن مسؤول بارز في الجيش الإثيوبي، أكد، وفقا لـ”بي بي سي”، أن القوات الحكومية تخطط لاقتحام مدينة ميكيلي، عاصمة الإقليم.
ومع استمرار المواجهات وتجدد الصراع في تيجراي، تتزايد المخاوف من حدوث كارثة في ظل تقارير بوجود حصار فعلي يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى تيجراي، منذ أكثر من عام.
“أشلاء أصدقائي ممزقة داخل المنزل”
مع ارتفاع وتيرة العنف والحرب في تيجراي، لجأت القوات الحكومية إلى استخدام المقاتلات والطائرات المسيرة، وقصف البيوت والمنازل، ما زاد من معاناة المواطنين في تيجراي.
ودفعت بشاعة الحرب مواطني تيجراي إلى النزوح من مناطق إلى أخرى داخل بلدهم، أو الهروب بأرواحهم إلى دول أخرى.
يروي ليج علي، مواطن إثيوبي فار من ويلات الحرب في تيجراي، ما شهده من معاناة في الإقليم، قائلا “كنت متواجدا في تيجراي أثناء الحرب وشهدت بشاعتها حتى تركها إلى كينيا منذ 9 أشهر، ودفعتني مشاهد القتل والعنف للانتقال مع رحيل جزءا من عائلتي إلى أديس أبابا وبقاء الآخرين في تيجراي”.
وأضاف في حديث لمصراوي “قُتل ثلاثة من رفاقي بالرصاص.. رأيت أجسادهم ممزقة في المنزل، ولا أستطيع أن أنسى ذلك المشهد”. وتابع “كان الأمر صعباً للغاية، لم تسطع أمي النوم كانت خائفة على أسرتها.. الأطفال يشعرون بالرعب ولا يتوقفون عن البكاء لذلك غادرنا”.
وأكد ليج، أن أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية لها تأثيرها الأليم على نفسه، لافتًا إلى أنه لم يستطع توديع أخاه بعد وفاته، الذي علم بما حدث له قبل 3 أشهر.
برغم أن كينيا كانت وجهته الأولى، إلا أن ليج قرر هجرتها نظرا لعدم استقرار أوضاعه هناك، بعد تعثره في العثور على وظيفة، وانتقل من بعدها إلى الإمارات.
“أشهر بلا اتصال مع العائلة”
ويلات الحرب في تيجراي، لم يتأثر بها من كان متواجدا داخل الإقليم حينها فحسب، ولكن تجرعها أيضا الفارين قبل بدء المعارك، خاصة في ظل انقطاع الاتصال بذويهم في الداخل.
يقول مولوبرهان أسيفا، مواطن إثيوبي من تيجراي، يعيش حاليا في إيطاليا برفقة زوجته وأطفاله، في حديث لمصراوي، إنه لم يتواصل مع عائلته منذ مايو الماضي، ولم يتحدث إليهم إلا مرتين خلال 15 شهرا.
وأوضح أسيفا، الذي انتقل من تيجراي في 2018، وعمل كمدرس متخصص بعلم الأوبئة في جامعة ميكيل، أنه مع دعم القوات الإريترية للقوات الإثيوبية تم السيطرة على عدة مناطق خاصة في تيجراي.
وقال إن “القوات الإريترية سيطرت على شبكة الاتصالات، وفي آخر مكالمة مع عائلته كانوا يتحدثون باستخدام الألغاز خوفا من بطش الإريتريين.. ولم نعد نتحدث مع عائلاتنا كما نريد هم يستخدمون الرموز حتى أفهم”.
أخبرت العائلة مولوبرهان بحاجتهم للطعام وعدم توافره إضافة لقلة الأموال، وعدم مقدرتهم على شراء الدواء، وقلة مصادر المياه “أردت إرسال المال إليهم ولم استطع فالبنوك مغلقة والحسابات المصرفية مجمدة”.
تعاني والدة أسيفا، من مرض مزمن في العظام، وتتناول عدة أدوية أخرى بطبيعة السن لكنها توقفت عن تناوله منذ عام، وهو لا يعلم وضعها الصحي حتى الآن.
وقال مولوبرهان إنه “فقد ثلاثة من أفراد العائلة المقربين خلال الحرب، وترك البعض منازلهم والتنقل لمناطق أخرى، ولم يستطيعوا الذهاب لمخيمات اللاجئين فالوضع غير مريح كما لم يكن ممكنا الانتقال للخارج”.
يبدو أن المواطنين الإثيوبيين يتشاركون نفس المعاناة، خاصة بعدما أكد ريداي فيسيها، في تصريحات لمصراوي، أنه “فقد الاتصال مع عائلته منذ 8 أشهر ولا يعلم وضعهم حتى الآن.. ولا أعلم حتى إذا كانوا على قيد الحياة”.
ذهب ريداي 34 عاما إلى إيطاليا للدراسة، وإذا بالحرب تنشب “لم أستطع العودة للديار فحالي كعديد من سكان تيجراي يخشى الاعتقال”، بالنسبة له يكفي أن تكون من تيجراي حتى تعتقلك السلطات دون الحاجة إلى المزيد من الأسباب.
يعيش والدا ريداي وإخوته في تيجراي، في البداية كان يستطيع التحدث معهم كل فترة حتى فقد الاتصال تماما، ولا يستطيع إرسال المال لهم مع تعطل جميع الخدمات المصرفية وإغلاق البنوك في المنطقة.
فقد فيسيها الاتصال حتى مع أخوه منذ أكثر من 15 شهرا، “في آخر اتصال لي مع والداي أخبروني أنهم أيضا لا يعرفون عنه شيء”، ولكن يوجد هم آخر فابنة أخيه مريضة تحتاج للذهاب للمشفى كل إسبوعين، وسط أزمة نقص الأدوية والمعدات الطبية “أخبرني في آخر محادثة أنه لا يوجد دواء لذلك سيذهب إلى مشفى بالعاصمة، لا أظن أنه استطاع الخروج في ظل الحرب وتدمير معظم المستشفيات لست متأكدا إن كانت الصغيرة على قيد الحياة”.
ولم يتخيل ريداي الذي يعمل بمجال الهندسة أن تدمر الحرب خطة حياته جميع من يعرفهم مجهول مصيرهم أم قتلوا “ولدت ونشأت في مدينة أكسوم مركز المجازر، قتل الجيشان الإثيوبي والإريتري عدد كبير من أصدقائي وأفراد عائلتي بإعدامهم”.
وقال ريداي، أن آخر كلمات رددتها عائلته: “نحن لسنا أفضل ممن رحلوا”، خاصة بعدما شهدوا مقتل أكثر من 1000 شخص في يوم واحد.
من ويلات الحرب لجحيم المخيمات
هاجر العديد من سكان تيجراي الإقليم، وانتقلوا إلى العيش في مخيمات داخل السودان كملاذ آمن من الحرب.
وقال مسجينا أباي، مواطن إثيوبي هاجر تيجراي وانتقل للعيش في مخيمات اللاجئين بالسودان، في حديث لمصراوي، إنه “لا يمكن قول شيئ في الوقت الحالي فلا يوجد خيار آخر”.
فقد أباي جزءا من عائلته في هجوم على كنيسة في تيجراي، ويعيش حاليا برفقة جزءا من عائلته، في مسكن عبارة عن كوخ خشبي، ويشكو من اندلاع الحرائق كل فترة التي تسببت في حرق ملابسهم وبطانياتهم.
حياة مسجينا الحالية متأزمة بعض الشيء فهو بلا عمل، كما أن الطعام في المخيم قليل، والمساعدات الإنسانية لا تكفي إضافة إلى نقص الأدوية.
وذكرت هارنت سيومي، التي تعمل بإدارة مخيمات النازحين التابعة للأمم المتحدة لمصراوي، أن “الناس تموت بسبب نقص الأدوية وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، ويضطر الأطباء والممرضات لغسل القفازات الطبية وإعادة استخدامها”.
وأضافت أن القوات الحكومية بمساعدة القوات الإريترية تمنع قدوم المساعدات الإنسانية، فلا يوجد شيء يأتي باستثناء رحلة طيران الأمم المتحدة مع مبلغ نقدي محدود لوكالات الأمم المتحدة، وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت الجمعة وصول شحنة مساعدات طبية إلى تيجراي.
وتصف سيومي الوضع في تيجراي بتضور الناس جوعا حتى الموت، لافتة إلى أن “مئات الآلاف من النازحين بدون دعم، ولا أحد يستطيع الوصول إلى أمواله النقدية من البنوكط.
وقالت “تنفد الإمدادات لدينا، ولا توجد مواد طبية ولا طعام ولا وقود، إنها بمعجزة أن الناس لا زالت على قيد الحياة”.
ووفق سيومي هارنت، فإن أخر قوافل الأمم المتحدة كانت في ديسمبر الماضي، مع تمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر جلب بعض الإمدادات الطبية مؤخرا.
وتقول إن المشكلة إن الرحلات الجوية مسموح بها فقط إلى ميكيل، فلا يوجد وقود لإيصال المساعدات إلى القرى الأخرى، حيث نفد الوقود من جميع الوكالات تقريباً لذلك تحد من عملياتها لأنها لا تستطيع الذهاب لأي مكان.
.
المصدر –