مصطفى جعفر نائب
يطلق مصطلح النخبة على مجموعة الأفراد الذين يمتلكون حضورا معتبرً ومؤثرَا على المشهد السياسي والاجتماعي ومن خلال هذا التأثير يلعبون دورا مهما سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر حيث يكون لهم نفوذ على أي حراك مجتمعي.
وفي الوقت الذي يمكن أن تشمل هذه النخبة السياسية أعيان وفئات وصحفيين وأكاديميين وحزبيين وقيادات نقابية وجماعات مصالح وجماعات ضغط وقادة الرأي في المجتمع وشيوخ القبائل وغيرهم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو من يصنع هذه النخب في ارتريا؟ وما مدى تمثيل هذه النخب لهموم ومصالح المجتمع الارتري؟ وهل تٌعبر الأفكار التي تحملها هذه النخب عن أحلام وطموحات المجتمع الارتري بكل قطاعاته المختلفة.
ففي المجتمعات الديمقراطية تلعب الأحزاب ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة، والنقابات المهنية، وجماعات الضغط بالدفع ببعض الشخصيات إلى المواقع التي يستطيع أصحابها التأثير في المجتمع.
مع الإشارة إلى أن قدرات وكفاءات الأشخاص أنفسهم واستعدادهم للانخراط في الشأن العام للمجتمع مع امكانياتهم الشخصية والمهنية والقيادية التي تسهم في وصولهم إلى مواقع النخبة.
وتعتبر نظرية النخبة السياسية من أهم الإشكاليات التي تطرق إليها علم الاجتماع السياسي، وإن اختلفت تعريفات هذا المفهوم إلا أنها تتفق على أن النخبة أو الصفوة هم مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرةً ومعرفةً من غيرهم على التأثير في مجتمعاتهم.
ويعرف “رأيت ميلر” عالم الاجتماع الألماني النخبة السياسية بامتلاكها امكانيه اتخاذ القرار، بينما “هارولد داويت لاسويل” عالم الاجتماع الأمريكي يصفها بقدرتها على التأثير أكثر من غيرها.
ولو حاولنا إنزال هذه التعريفات لأهل العلم علي الواقع الارتري سيبرز سؤال مشروع يطرح نفسه بقوة وهو هل توجد نخبة سياسية في ارتريا؟ وإذا كان الجواب بنعم، فما هو شكل هذه النخبة؟ ومن صنع هذه النخبة؟ وماهي الأفكار وما مدة قدره هذه النخب في التأثير على المجتمع الارتري بكل طوائفه ونسيجه الاجتماعي؟
هل تحمل هذه النخب الأفكار والحلول للخروج من المأزق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يخيم على المشهد الارتري؟
وللإجابة على هذه الأسئلة المشروعة في اعتقادي لابد من العودة قليلا إلى التاريخ السياسي الارتري الذي بدأ يتشكل في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي إبان فتره تقرير المصير، وهي الفترة التي أتاح فيها الانتداب البريطاني إنشاء الأحزاب والنقابات المهنية والجمعيات الفئوية.
هذه الفترة التي شهدت بروز واضح للزعامات القبلية ورجال الدين والتي كان لديها الكلمة الفصل في المشهد السياسي آنذاك وبدرجات أقل لبعض الشخصيات الوطنية، التي تمكنت من وضع بصمة في مشروع الدولة الارترية الذي لم يتمكن الصمود طويلا امام أطماع الاستعمار الاثيوبي الذي تمكن من السيطرة عبر النخب التي صنعها على الدولة الارترية، ولننتقل بعدها إلى النخبة الثورية التي تشكلت إبان الكفاح المسلح من كل التنظيمات الارترية على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والأيدلوجية والتي شكلت وجدان ووعي المجتمع آنذاك…
إن اعتراف المجتمع الدولي بإرتريا المستقلة في العام 1993م وضع المجتمع الارتري أمام تحديات بناء الدولة الحديثة وأمام قاطرة النهضة للحاق بالعالم وتعويض سنين الاستعمار والكفاح المسلح الذي امتد لثلاث عقود عجاف دمرت فيها كل القواعد والأسس التي اتفق عليها الشعب الارتري عبر نخبه السياسية والاجتماعية في فترة تقرير المصير.
لا شك بأن المشهد السياسي الارتري اليوم أكثر تعقيدا من ذي قبل، فسابقًا كانت معركة المجتمع الارتري المتعدد الأعراق والثقافات كلها منصبة لمواجهة جيش الاحتلال الاثيوبي مع شبه إجماع من النخب الثورية آنذاك بأن لا صوت يعلو على صوت معركة تحرير التراب الارتري.
واليوم وبعد تحرير الأرض والاعتراف الدولي وانفراد مجموعة بمقدرات الدولة لمدة ثلاثين عاما اذاقت فيها الشعب كل ألوان العذاب والألآم والحرمان من حض الوطن، يبرز سؤال مشروع أين نخبنا السياسية، والاجتماعية؟
وختاما علينا ألا نُكرر أخطاءنا الناتجة عن التصديق بأن التغيير وبناء الدولة لن تقوم به إلا نخبة معينة بمواصفات خاصه وأن عموم الناس ليسوا مؤهلين لقيادة الثورة ضد الظلم والاستبداد في ارتريا، فهذه نغمة تتلاءم مع أسطوانة النظام المستبد والذي يزعم بأن الشعب الارتري غير مؤهل لقيادة ارتريا.
ومن يتأمل في الصراع الجاري بين الحاكم المستبد والحالمين بالحرية في بلادنا سيجد العائق الرئيسي إمام الشعب في تحقيق أهدافه، هي تلك النخب التي احتكرت الحديث باسم النضال الشعبي واحتلت منصاته، وفي مناسبات عديدة عندما بدأت عجلته السياسية تدور باتجاه تطلعات الشعب الثائر انتقلت إلى صف الاستبداد تعصبا لأيدولوجيات شمولية تجاوزها الزمن، أو نكاية بخصوم سياسيين مشابهين لهم في البؤس السياسي..
ملاعب الكرة تصنع نخبة، السجادة الحمراء في مهرجانات السينما تصنع نخبة، والشارع يصنع نُخبه، ولكن النخب التي نتطلع إليها دائما هي التي ينبغي أن تسهم في التغير الاجتماعي و تطور المجتمع إلى الأفضل، نخبة تتطلع للنهوض بالمجتمع لاستعادة حقوقه المسلوبة وهذه لا يمكن صناعتها إلا بالمشاركة الفاعلة مع قضايا شعبنا لاستعادة حقوقه المسلوبة.