في مثل هذه الأيام من كل عام، نتذكر بكل فخر واعتزاز من أشعلوا فتيل الثورة الإرترية التي أضاءت درب الحرية لشعبنا العظيم. كانت ثورة سبتمبر نقطة تحول جذرية في تاريخنا النضالي، فبعد أن رفع الشعب صوته عاليًا ضد الظلم والاستبداد المتمثل في الاستعمار الإثيوبي واستنفد كافة الأساليب المدنية والسياسية، قررت جبهة التحرير الإرترية أن تنتقل إلى مرحلة الكفاح المسلح، فانبرى نفر قليل من الرجال الشجعان للمهمة بقليل من العتاد ولكن بنفوس تفيض بقدر لا يضاهى من العزيمة والإصرار. لقد كانت الثورة الإرترية تجسيدًا حيًا للإرادة الإنسانية التي ترفض القهر، وللشجاعة التي تقف في وجه المستحيل.
انطلقت هذه المرحلة من النضال الإرتري في الأول من سبتمبر عام 1961 عندما أطلق المناضل البطل الشهيد حامد إدريس عواتى الرصاصة الأولى، معلنًا بداية الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإثيوبي. لم تكن هذه الرصاصة مجرد إشارة لبدء المعركة، بل كانت تعبيرًا عن حلم طويل بالحرية والاستقلال بعد أن خذل المجتمع الدولي إرتريا وتآمرت عليها القوى العظمى آنذاك بزجها قسرا في اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا كانت المؤشرات واضحة بعدم استدامته، وكما كان متوقعا آلت الأمور إلى الضم الكامل لإرتريا ضد الرغبة العارمة لغالبية الشعب لصالح الاستقلال التام. لقد امتدت الثورة لأكثر من ثلاثين عامًا، وخلال تلك الفترة، تحمل شعب إرتريا كل أنواع المعاناة والصعوبات، وقدم كل غالٍ ونفيس، لكنه لم يفقد الأمل أبدًا وظل يناضل وصنع ثورة عظيمة وعلى الرغم من القهر، والظروف الصعبة، نجح الإرتريون في أن يكونوا مثالًا يحتذى به في التضحية وتحقيق الإرادة الشعبية .
الثورة لم تكن فقط مواجهة عسكرية، بل كانت أيضًا عملًا دؤوبًا للبناء الوطني لتحرير الأرض والإنسان، حيث استطاعت أن تزرع البذرة الأولى لقيم عظيمة من شأنها أن تحافظ على تماسك إرتريا أرضًا وشعبًا في ظل حكم رشيد .
إن احتفالات سبتمبر لا تأتي فقط لتذكيرنا بالماضي، بل لتذكيرنا بواجبنا تجاه الحاضر والمستقبل. إن روح الثورة التي دفعت الأجداد والآباء للقتال من أجل الحرية يجب أن تستمر في إلهامنا لمقاومة الظلم والاستبداد الذي يمثله نظام الهيمنة القومية البغيض بقيادة إسياس أفورقي وزمرته وبناء إرتريا جديدة، قوية، تحقق أحلام أبنائها في السلام، والعدالة، والتنمية والمساواة وفق عقد اجتماعي يحدد الحقوق والواجبات والقيم العليا التي يجب أن تتمسك بها كافة المكونات المجتمعية الإرترية وحتى لا تنزلق البلاد إلى ما لا تحمد عقباه من المخاطر الكثيرة الماثلة أمامنا الآن وعلى رأسها فقدان الاستقلال الوطني الذي من أجله انطلقت ثورة الفاتح من سبتمبر 1961 .
في هذه الذكرى العظيمة، ونحن نحيي مآثر أبطالنا الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن، ندعو الجميع للتأمل في تاريخنا الثوري، والاستفادة من دروسه في مواجهة تحديات الحاضر. علينا أن نتذكر دائمًا أن استقلال ارتريا لم يأتِ هدية إنما كان نتاج لتضحيات طويلة ومسيرة حافلة من الشهداء .هذا الإرث النضالي يجب أن يدفع الإرتريين إلى مقاومة الظلم والاضطهاد والتهميش ورفض جميع الممارسات التي يقوم بها نظام الهيمنة القومية.ومن يدورون في فلكه بمختلف المسميات.
عاش نضال الشعب الإرتري من أجل العدالة والمساواة والحكم الرشيد.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.