منـذ تأسـيـس رابطة أبنـاء المنخفضات الارترية فى شـهـر مارس مـن عام 2014م كثـرت الكتابات حولها حيث ادلى عـدد مقـدر من سـياسـيينـا وكتابنـا وشـيوخنا وشبابنـا بدلوهم مؤيدين كانوا او معارضـين للرابطة وهى حالة صحية جدا، ومن جهة اخرى هـذا الحق “يفترض” أن يكون مكفولا لنا ولغيرنـا من أبنــاء الوطـن الواحـد، لأن قضايا الوطن تخص كافة المواطنين بصرف النظر عن مناطقهم الجغرافية او ثقافاتهم المتباينة وايضا خلافاتهم الصغيرة والكبيرة، ورغم كم وكيف خـلافاتنا المعلنة والمستتـرة “يفترض” ان نناقش قضايانا المختلف حولها بعقل حاضر وصـدر رحب يتسع لسماع مختلف الرؤى الخاصة بالوطن او بجزء معين منه، وهـذا يعنى ان يتساوى كافة المواطنين فى الحقـوق والواجبات باعتبار ذلك معطيات بديهية. ورغم هـذا وذاك الآ ان هناك خصوصيات لـكل فئة متجانسة من فئات المجتمع ( جماعة / قبيلة / عشيرة/ منطقة جغرافية او حتى عقيدة … ألخ)، وهـذا يتطلب منـا ضرورة معالجة قضايا هـذه الفئات بما يناسب طبيعة الكائن والمكان. وليس ســرا ان للمنخفضات الارترية مظالم شتى حـيث ظلمت ضمن كافة الارتريين ومن ثم ظلمت منفردة ومازالت تظلم من جهات وطنية تحكم البلاد وتتحكم فى مصائـر العبـاد وتتصـرف فى ممتلكاتهم وموروثاتهم ومقـدراتهم حتى كتابة هذه السطور، ومما يـزيد الطين بللا ان أهـل المنخفضات يعانون من ظلم ثالث واقع عليهم من قوى الموالاة والمعارضة على السواء مما يجعلهم يتضايقون جدا من بعض الرؤى وبعض النصائح ذات الوجوه المتعددة التى تطالبهم بالصبر او التروى او التى تعارض سعيهم الباحث عن حلول عادلة لقضاياهم ومظالمهم المستمرة الواقعة عليهم من حكومة يفترض انها وطنية. ورغم الظلـم المسـتمـر والضيق والنكران الـذى يتبعانه نراهم يبحثون عن حلول سلمية تدفع عنهم هـذا الظلم الظالم، وهـذا لا يتحقق الأ من خلال تجمع قواهم الحية ومن ثم قواعـدهم الجماهيرية التى يحـق لها أخـذ مواقف وقـرارات وتدابير عملية جادة تؤدى الى ايجاد حلول عادلة دون ان تلامـس حقوق الشـركاء او تعـرض الوطـن للشـتات، وهـذا غيـر وارد من قـريب او من بعيـد وكلنـا حريصون على وحـدة وسلامة الوطن. أمـا محاولة قطـع الطـريق على الـرابطة ومعاداتها لمجـرد انهـا دعت جماهير المنطقة التى تحمـل اٍسـم المنخفضات الارتـرية فهـذا خطأ فادح وظلم مـركب رابع ودعـوة باطلة وخـوف غير مبرر، لأن الجريح فقـط هو من يحس بالألام المبرحة التى تحرق جوفه وتسود أيامه.
اذا أسـتعـدنـا قـراءة احداث التاريخ الأرتـرى ابـان فتـرة الأحـزاب ( نهايات الاربعينيات وبداية الخمسينيات) سـنقـرأ ما كان من جماعة صغيرة من مجتمـع المنخفضات وهى تـلك التى تبنت مشروعـا سـياسيا بريطانيـا يهـدف الى تقسيم ارتريا (حـزب التقسـيم)، وعلى خلفية ذلك المشروع الـلا وطنى ـ تجمعت القوى الوطنية الارتـرية الهادفة الى الاسـتقلال وقـررت التصدى الفـورى للمشـروع وتمت محاصرته بتوحيد الأحزاب الاسـتقلالية التى كونت الكتلة الاستقلالية، وكان مجتمع المنخفضات فى طليعة تـلك القوى الوطنية التى أخذت زمام مبادرة التصدى للادارة البريطانية التى كانت آنـذاك فى اوج عظمتها وقوتها ونفوذها اللامحدود، ونتيجة لتلك المبادرة الذكية وذلك التحرك الوطنى الموفق تم انهاء المشروع فى مهده، وكان أهـل المنخفضات فـرحـين بالتدابيـر وبالنتيجة وعـن قناعة تامة بضرورة الحفاظ على وحـدة الوطن آملـين عـودة الوعـى للقوى الارتـرية التى كانت تنـادى باٍنهـاء “الكيـــــان الارتـرى” لصالح اثيوبيـا الامبراطـور هيلى سـلاسى، وهـذا يعنى ان مجتمع المنخفضات لم يسع يوما لانهـاء الكيان الوطنى الموحد رغـم كثـرة وكثافة المشهيات السياسية والاقتصادية التى عـرضتهـا الادارة البريطانية آنـذاك على قيادة الـرابطة الاسـلامية وفيما بعـد الكتلة الاسـتقلالية، وقطعا لن يسع له مسـتقبلا وسـيظل محافظـا على وحـدة الوطـن حتى لـو سـعى الآخـر مجددا مثلما كان منه فى السابق (حزب الأنـدنت).
عليه اجـزم واؤكـد بصفتى المعنوية والاعتبارية ان هـذه الـرابطة هى منظمة مجتمع مـدنى وليـست حـزب سياسى، لكنها تسعى لتجميع ابناء المنخفضات الارترية بغـرض ايجاد حلول عادلة تعيد لهم حقوقهم المسلوبة .. وانطلاقا من شـرعية وصحة ووضوح الهدف المطلوب تحقيقه ارجـو ان ننهـج أفضل الاساليب والسبل التى تـؤدى الى ايجاد الحلول الناجعة لمختلف قضايانا دون ان نتبادل الاتهامات او نفقـد الاحتـرام المتبادل الذى “يفترض” ان يكون سائـدا بيننا. واذا كان لى فرصة رجاء من شبابنا المهتم بالمسائل السياسية والاجتماعية ـ أتمنى عليهم ان لا يقســوا على الجريح ولا يدفعـونه الآ نحو المشـافى بـرفق وحلم وحب أخوى حقيقى يثلـج صـدره ويهيئه لسـماع الرأى والرأى الآخـر وهـو المطلوب اثباته ومن ثم ثباته فى اروقة المتحاورين فى شتى محافل البحث عن الحلول الناجعة والمخارج العادلة التى ترضى المظلوم وتعيد الظالم الى رشـده، وهـذا الرجاء أبـدا لا يعنى الحجـر على النقاش والنقد البناء، كما لا يعنى رفض مبـدأ تبـادل الـرؤى لأنه دعـوة أخـوية صادقة تدعـو الى سيادة العـدل والى مـزيـد مـن الحريات وممارسة الديمقراطية التى قتلت ومازالـت تقتـل مـن بعـد مقتل الحريات بـدءا بالاسـتحواذ ومرورا باٍلغاء الشراكة الوطنية وانتهاءا بمصادرة الأرض لصالح فئات اخـرى، وكلنـا يعلم ان الأرض هـى الوطن الـذى لا بـديل له، وهى الشرف الـرفيع الـذى لا ثمـن له، فـاذا فقـد الأنسان ارضه وشرفه نتوقـع منه الاتيان بما يعقـل ولا يعقـل دفاعا عن أرضه وشرفه، والعاقل هـو من لا يساهم سلبا فى قضايـا الأرض ناهيك المشاركة فى ضياعها منطلقـا مـن سياسات الاستحواذ التى تنطلق الأخرى من نكـران الحـق وبطـلان الشـراكة.
والجدير بالذكر ان أغلب الكتاب المعارضين للـرابطة كان القاسـم المشترك بينهم الجملة الأتية:( كل الارتريين ظلمـوا والمنخفضات لم تظلم بمفردها !!) و “يفتـرض” ان نعلم جميعـا ان هـذه الجملة الكريهة التى كررت كثيرا لا تؤسـس الآ فتنة كبيرة تـدفعنـا جميعـا الى المزيد من الخلاف والاختلاف وقـد يؤدى بنا ذلك الى ما لا تحمد عقباه لأن هـذه الجملة تجافى الحقيقة وتنفى وجـود المظالم تماما، وهـذا يعقد المسألة اكثر فأكثر. اذا يجب ان نطمـئن جميعـا أن أهـل المنخفضات لا يسـعون أبـدا الى تجـزئة الوطـن ولا الى شـتات تـرابه الغالى شأن سائـر الارتريين، واذا ظهـر شيئ مـن ذلك فهـم ايضا القادرون والمأهلـون لانهائه قبل ان يتحرك الآخـر، أمـا السـعى نحـو تجميع الجماهيـر مـن خلال طـرح ” مبـادرة جمـع الشـمل” فهـذا حق أصيل وسـيستمر حتى يعطى اكله ويتم استعادة الحقوق المسلوبة، ولأنه حـق عـادل “يفتـرض” ان لا يخيف اى منـا ـ ودعـوة التجمع قطعـا لا تحتاج الى طلب تـرخيص مـن اية جهة ارتـرية اخـرى لأنها لا تهـدف ابـدا الى الاضـرار بمصالح أهلنـا فى المناطق الارتـرية الاخـرى .. فهـل نطمع فى نقاش متوازن وحـوار هـادئ يوصل الـرسائل دون ان نعرض المركب الوطنى للغـرق او التحول عن مساره الطبيعى .!!؟. اللهم أجمـع شملنا فى دائـرة العـدل، ووحد كلمتنا لصالح الكائن والكيـان، وبارك لنا فى شـيوخنا وشبابنا وأوطاننـا، انك سميع عليم ومجيب لـدعوات عبـادك المعـذبين فى ديارهم وأينما كانوا، وصلى الله وبارك على سـيدنا ونبينا ورسولنا محمـد صلى الله عليه وسلم .
الطاهـر ادريـس يوسـف ـ السـودان