العقد الإجتماعي حل مناسب لمشاكل إرتريا المزمنة

 محمد نور موسى

المخاوف من انفراط عقد الوحدة الوطنية تأتي على رأس قائمة القضايا التى تُهدد أمن البلاد واستقرارها وبقائها كيان واحد متماسك بكامل سكانه وحدوده الجغرافية الموروثة من الاستعمار. تكمن مشكلة الوحدة في تحديد نوع الوحدة الوطنية وهذا يُعتبر في حد ذاته مخرج من المأزق والواقع المؤلم والمزري الذي يعيشه الشعب الإرتري.
وإن اعتراف رابطة أبناء المنخفضات الإرترية بالتعددية يعني إقرارنا بالتنوع الذي يتميز به الشعب الإرتري، وتثبيت هذه المسألة تعتبر في غاية الأهمية، لأن التعددية في زماننا أصبحت من الثوابت الأساسية في حياة المجتمعات والشعوب المعاصرة، وتعاملنا وتفاعلنا مع التعددية سيقودنا إلى بلورة أمور كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر مسألة الملكية الذاتية والاحترام والتسامح والحوار والمرونة في حواراتنا وتعايشنا مع الآخر.
فالاختلافات في الهويات الثقافية والاقتصادية والاعتقادات الدينية والإثنية والأنظمة السياسية، لم تعد عائقاً في تطور التعددية وكيفية تطبيقها باعتبارها حقيقة واقعية في حاضرنا وماضينا والمستقبل الذي ننشده لأجيالنا القادمة. ولا يمكننا بأي حال من الأحوال اعتبار التعددية مؤشر فشل أو خطر على الوحدة الوطنية وضمان سلامة الوطن وحفظه واستقراره.
التنوع والاختلاف ليس مشكلة في حد ذاته، إلا إذا أسيئ استخدامه ليتسبب في تهديد أمن المجتمع واستقراره؛ إذن الوحدة من خلال التنوع تحد من تسلط الحُكّام وتُجنب الشعوب ويلات الظلم والضيم والإقصاء والتهميش، على عكس الوحدة من خلال الصهر والاندماج القسري التي تُعاني منها الشعوب.
وماتقوم به رابطة أبناء المنخفضات ينطلق من فهمها لواقع الشعب الإرتري ومكوناته الاجتماعية، وكذلك تجربة الوحدة الاندماجية التي خاضتها القوى السياسية الإرترية منذ فترة “حق تقرير المصير” لم يكتب لها النجاح، لأنها لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد لواقع الشعب الإرتري ومكوناته الاجتماعية منذ أمد بعيد. كما أن رابطة أبناء المنخفضات التى تنادي بالوحدة من خلال التنوع، ترفض رفضاً قاطعاً وحدة “حادي هزبي حادي لبي” وأنها تناضل من آجل إقامة مجتمع متعايش ثقافياً وفق الاحترام المتبادل بين مكوناته ويعترف بحقوق الإنسان وبكرامته وبرسالته ويقوم بواجباته ومسؤولياته، ونؤكد أن التعددية واحدة من شروط تطبيق الديمقراطية ورفض تام لوجود الدولة الشمولية التي سرعان ما تتحول إلي بؤرة للديكتاتورية وتهدد الوحدة الجغرافية والشعبية.
المتعارف عليه أن النظام الشمولي يحرص على مصادرة حقوق الإنسان وإهانة كرامته، وعلى هذا الأساس يهتم ببناء السجون والمعتقلات ويقف عقبة أمام بناء المدارس والمستشفيات والمصانع، ويتبع سياسة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات، ويمنع وجود صحافة حرة، ولا يعترف بتكوين الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية وهذا دليل قاطع بأنه لا يعترف لا بالتعدد السياسي ولا بالتنوع الثقافي والاثني، ونظام بهذه المواصفات لن يحترم حقوق الإنسان ولا الكرامة الإنسانية التي منحها له رب العزة والجلال.

أكثر من مرة سئل الديكتاتور الإرتري عن المعارضة الإرترية وعن الديمقراطية وكان موقفه معادٍ لقوى المعارضة وكذلك الديمقراطية وأنه لا يعترف بسلطة الشعب، فهو رئيس الدولة وهو رئيس الحزب الحاكم وهو كل شيء في الدولة الإرترية.
وعليه التعددية يجب أن توجد حيث يوجد التنوع أياً كان شكل التنوع ديني إثني أو عقائدي أو فلسفي أو حزبي، مادام يتمسك به الفرد أو الجماعة، وإنطلاقاً من الرغبة لتعميم الفائدة نقتبس الرؤية الثاقبة التي أقرها المؤتمر التاسيسي لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية:
( كحل ناجع لمستقبل الحكم في إرتريا يقوم على أساس الاعتراف بالتعدد الإرتري القائم وبما يضمن حقوق وحريات ومصالح جميع المكونات الوطنية ضمن الصيغة المناسبة لنظام حكم لا مركزي دستوري قائم على قواعد التعدد والديمقراطية وحكم القانون والمشاركة العادلة لتقاسم الثروة والسلطة.
كما ايمان الرابطة بأن الحل العادل والدائم لمستقبل الحكم في إرتريا وإستقرار البلد وتقدمها هو الضامن لتحقيق أهداف وطموحات كل أصحاب المصلحة من خلال إبرام عقد اجتماعي يحظى بإجماع ورضى كافة الأطراف صاحبة المصلحة الحقيقية في الوطن، هو الحل الأمثل.
إن الوضع الحالي المزري في البلاد وانعدام الثقة بين مكوناته الإجتماعية سببه تراكم المعاناة والبؤس لسنوات طويلة جراء سياسات الهيمنة والاقصاء من قبل نظام الهيمنة القومية ضد معظم المكونات الوطنية، وعليه ينبغي قيام الوحدة الوطنية الدائمة على أساس الإرادة الطوعية لجميع المكونات والاعتراف المتبادل فيما بينها بالتعدد مع الاقرار بضمان مصالح جميع المكونات وحقوق المواطنة الكاملة والمتساوية لكل الأفراد والجماعات الوطنية، لإقامة وحدة وطنية حقيقية ومستدامة .
تعد إرتريا واحدة من البلدان المتعددة الاعراق والثقافات، والاعتراف والقبول بهذا الواقع بكل تجلياته العرقية والثقافية والدينية واللغوية يعتبر الخطوة الصحيحة نحو معالجة مشاكلنا المزمنة).

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *