إنتصار العدالة لحقوق الإنسان الإرتري وخذلان الموقف الأفريقي .

ضمن جلسات الدورة 44 لمجلس حقوق الانسان بجنيف تقدمت بعض الدول الأوروبية في السادس عشر من يوليو الجاري 2020م بمشروع قرار للمجلس تطالب فيه بتمديد فترة عمل المقررة الخاصة لحقوق الانسان في إرتريا لعام آخر، نتيجة لصلف وتعنت النظام الإرتري أمام الاستجابة لأي من التوصيات التي قدمت إليه من قبل المقررة الخاصة، وتردي حالة حقوق الانسان في إرتريا التي لم يطرأ عليها أي تحسن يذكر.

وقد فاز القرار بأغلبية 24 صوتاً مقابل 10 معارضين وغياب 13 دولة، وللأسف فإن الدول العربية والافريقية الاعضاء في المجلس قد صوتوا إما بالامتناع أو المعارضة للقرار، ومما يحز في النفس أن يكون السودان ضمن من صوتوا بمعارضة القرار على الرغم من علمه بمدى قسوة انتهاك حقوق الانسان الإرتري وانعكاس ذلك سلباً عليه، كونها حكومة ثورة جاءت إثر إزالة نظام دكتاتوري عانى منه الشعب السوداني طيلة 30 عاماً، مايجعل انحيازها لصالح دكتاتور إرتريا ضد شعبها المغلوب على أمره، أمراً مستغربا وليس له مايبرره، إضافة لتعارضه مع شعار الثورة (حرية سلام وعدالة) الذي ترفع لواءه. .

وقد جاء هذا القرار إثر التقرير الثاني الذي قدمته المقررة الخاصة لحالة حقوق الإنسان في إرتريا في 30 يونيو 2020م لمجلس حقوق الانسان، وقد عبرت في كلمتها امام المجلس https://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=26020&LangID=E
عن الحالة المتفاقمة لحقوق الانسان في إرتريا منذ تولي مجلس حقوق الانسان متابعة هذا الشأن منذ العام 2012م، مؤكدة أنها لم تلحظ أي تقدم ملموس في الاستجابة لما قدمته في تقريرها السابق في يونيو 2019م، بل ان النظام الإرتري مازال مستمرا في انتهاكه لحقوق الانسان الإرتري، وقد ركزت على ثلاثة انتهاكات أساسية في كلمتها أمام المجلس ضمن ما أوردته من انتهاكات النظام لحقوق الانسان الارتري، مفادها:
أولا :
إن الخطوة الأولى والهامة التي يجب على السلطات الإرترية ان تقوم بها لاثبات تقدمها في مجال حقوق الانسان هي معالجة حالة المحتجزين تعسفاً بشكل غير قانوني، والمختفين قسراً في نظام السجون. وهو الامر الذي اثرته مراراً وتكراراً في تقاريري، لكنني لم ألحظ إحراز أي تقدم فيما يتعلق بحالة السجناء السياسيين، وسجناء الرأي وغيرهم ممن تم احتجازهم بشكل تعسفي وغير قانوني. ومن اللافت للنظر أن السلطات الإرترية لا تزال صامتة تماما بشأن هذه المسألة، ولم تجب على أي من الاسئلة التي قدمت إليها فيما يتعلق بالحالات الفردية، أذكر منها على سبيل المثال:
– الإفصاح عن مكان احتجاز سهام علي عبده المعتقلة لمدة 8 سنوات تقريبًا ، ومتى سيتم إطلاق سراحها؟ ماهو مصير المعتقل برهان أبرهي ومتى سيتم الإفراج عنه؟ بعد 19 عاماً من الاعتقال، أين هو الصحفي داويت إسحاق ومتى سيتم الإفراج عنه؟ ومتى ستطلق السلطات سراح باولوس إياسو وإسحق موجوس ونجيدي تخلي ماريام، المعترضين الثلاثة على نظام الخدمة العسكرية بدافع الضمير، الذين احتُجزوا لمدة 26 عاماً ؟

ولكي تُظهر السلطات الإرترية التزامها الحقيقي بحقوق الإنسان يجب عليها إطلاق سراح الأشخاص المحتجزين تعسفاً في السجون الإرترية، وتقديم معلومات عن أولئك المختفين إلى أسرهم.
ثانياً:
من أجل إحراز تقدم في احداث تنمية هادفة ومستدامة، يجب على السلطات الارترية أن تعمل على الاستثمار في شبابها. ويتطلب ذلك تهيئة ظروف إيجابية من بين أمور عديدة أخرى تشجع الشباب على البقاء في البلاد. ولقد شهدنا خلال العام الماضي تدفقا مطرداً من الشباب الفارين من إرتريا. وقطعاً أن مغادرة هؤلاء الشباب لبلادهم ليس لأن مخيمات اللاجئين في إثيوبيا المجاورة هي مكان جاذب لهم كما تدعي السلطات الإرترية، ولكن بسبب قتامة المستقبل بالنسبة لهم في بلدهم.

ومما يثير القلق بشكل خاص ذلك العدد الكبير من الأطفال الذين يغادرون البلاد حتى بعد دخول القيود المفروضة على السفر بسبب فيروس كرونا حيز التنفيذ في مارس2020م، حيث كان أكثر من 20 في المائة من الهاربين من إرتريا إلى إثيوبيا شهرياً هم من الأطفال غير المصحوبين بأي من أفراد اسرهم. وخلال الاشهر الاولى من العام الحالي كان أكثر من 40 في المائة من اللاجئين الإرتريين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في إثيوبيا هم من الأطفال، بينما نلحظ قلة عدد اللاجئين الإرتريين الذين يعبرون الحدود إلى السودان من هذه الفئة، حيث بلغت نسبتهم حوالي 10 في المائة، وذلك نتيجة للظروف الغير عادية بسبب القيود التي تفرضها جائحة كرونا 19 على السفر والتنقل، لكننا نتوقع استمرار هجرة أولئك الشباب الإرتريين بمجرد تخفيف هذه القيود.

وفي ظل هذه الظروف السيئة من الصعب تصور مستقبل مستدام ومزدهر لإرتريا بدون شبابها كما أوضحت ذلك بالتفصيل في تقريري، ولكي تدعم إرتريا شبابها عليها أن تلتزم بإجراء إصلاحات جذرية على مختلف الأصعدة، منها خلق وتوفير فرص العمل، وتعزيز الحريات المدنية، والتعليم، وتحديد فترة الخدمة الوطنية.

ثالثا:
يجب على السلطات الإرترية وضع الأسس الصحيحة لبناء مجتمع مستقر ومزدهر من خلال فتح المجال لعمل منظمات المجتمع المدني المستقلة، حيث لا يوجد في ارتريا اليوم مكاناً لهذه المنظمات المستقلة التي تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان، إضافة للغياب التام للعمل السياسي المعارض، وإنعدام حرية العمل الصحفي المستقل.

بشكل عام لقد شهدنا خلال العام الماضي زيادة تقلص الحيز المدني المتاح للمواطنين في إرتريا، في ظل إستمرار إعتقال اتباع الديانات المختلفة اثناء ممارسة شعائرهم الدينية، كذلك إعتقال الأفراد من بعض الأقليات والأشخاص الذين عبروا عن معارضتهم لممارسة السلطات في حالات عديدة، كما تعرضت المؤسسات التي دعت إلى إصلاحات، واعترضت على بعض ممارسات الحكومة إلى عمليات إنتقامية، مثلما حدث بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الإسلامية المختلفة. وبدون فتح الفضاء المدني لجميع الارتريين تتضائل فرص النجاح لبناء مجتمع ناجح ومزدهر، لأنه الركيزة الأساسية التي تتكأ عليها الأمم في نهضتها.

أخيرا :
أود أن أشير إلى أنه بعد ما يقرب من عامين من انضمامي إلى هذا المجلس وعملي فيه كمقررة خاصة، لم تتعاون دولة إرتريا بعد مع ولايتي الخاصة، ومع الإجراءات الخاصة الأخرى للأمم المتحدة. وبينما تشتكي السلطات الإرترية من أن تقريري قدم صورة مشوهة للوضع في إرتريا، إلا أنها في الوقت نفسه لم تقم بأي خطوات إيجابية في التعامل معي، فهي تواصل منعي باستمرار من الدخول إلى إرتريا، وترفض مقابلتي، ولا تستجيب لطلباتي لتضمين أي من المعلومات في تقاريري، وفي مداخلاتي السابقة أمام هذا المجلس دعوت السلطات الإرترية علناً لمناقشة قضايا حقوق الإنسان معي، وما زلت على استعداد للدخول معها في حوار بناء.

وبالنظر إلى أن هذه هي السنة الثامنة منذ إنشاء هذه الولاية، أتمنى أن أقدم تقريراً أكثر إيجابية عن حالة حقوق الإنسان في إرتريا، ولكن بسبب عدم إحراز أي تقدم من قبل السلطات هناك لا أستطيع ذلك. ومن هنا فإنني أحث السلطات الإرترية على التطلع إلى المستقبل، والعمل على إجراء الإصلاحات اللازمة لضمان تمتع كافة الإرتريين بالحقوق الأساسية.

المكتب التنفيذي
رابطة ابناء المنخفضات الإرتري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *