مصطفى جعفر نائب
يعتبر الإعلام سلاح قوي في صناعة وتوجيه الرأي العام، ودائما ما تستغله الدكتاتوريات في تغبيش الوعي وإلهاء المواطنين بأحداث جانبية للتغطية على حدث “ما” أهم، وفي إرتريا ومنذ أن أغتصب نظام الهيمنة القومية السلطة، يتعامل وفق نظرية صناعة الرأي العام، فيختلق حدثًا، فمثلا يسرب خبرًا مزيفًا عن “موت الرئيس” ليكون هذا الحدث قضية الساعة، ثم يقوم بتوجيه النقاشات حوله بما يخدم سياساته وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، وحصيلة تلك المناقشات والآراء تكون الرأي العام الذي ينتج من خلال التفاعل بين النظام والشرائح المستهدفة.
ولأن صناعة الرأي العام تقوم على مخاطبة العقل والعاطفة تعمل الأنظمة المستبدة على توجيه ابواقها الإعلامية ومنابرها الدعائية ودور العبادة وسط حاضنتها الاجتماعية التي يرتبط فيها العقل بالوجدان، فيؤكد العقل علي المعلومات التي يقوم النظام بنشرها ويمد الوجدان القضايا بالوقود النفسي اللازم لاستمرارها بحيث لا تنطفئ جذوتها.
ونظام الهيمنة القومية في إرتريا برغم فلسفته الإعلامية التي تعتمد على التعتيم الإعلامي، إلا أنه أدخل تحسينات متطورة، ومؤثرات عديدة ،وأساليب جديده في صناعة الرأي العام وإعادة تشكيله وفق مصالح وأهداف سياسية أو عسكرية.
ولا شك بأننا اليوم نعيش عصر المؤثرات الإعلامية، ذلك لأن الإعلام وبفضل التقنية الرقمية وشبكة الانترنت أصبح سمة من سمات العصر الحالي ،وأصبح المتحكم في العقول والعواطف وأضحى هو القوة المؤثرة التي لا يقل تأثيرها عن الأسلحة الأخرى. بل إن الإعلام قد يهزم الآلة العسكرية بجبروتها.
والإعلام الحر يجب ألا يكون محايدًا، أو يستخدم كوسيلة للتدجين وتعتيم للحقائق وتزييف الوعي، بل يجب أن يكون وسيلة لتحرير وعي الشعوب وتقديم الحقائق كما هي وتعرية الأنظمة الفاسدة وألا يشغل الجماهير عن همومها الحقيقية بتوافه الأمور في عمليات خداع ومبالغات وتضخيم لقضايا ثانويه وتهوين لما يستحق التعظيم.
وإعلام نظام الهيمنة القومية في إرتريا ولفتره طويلة تفنن في خداع الشعب وتزييف الوعي وتحويل وسائل الإعلام إلى أبواق تعمل على شغل الناس عن قضاياهم الحقيقة المتمثلة في التنمية والحكم والعدالة الاجتماعية.
ومن مظاهر تزييف الوعي الذي تمارسه ماكينة إعلام الهيمنة القومية المبالغة في الحديث عن إنجازات وهمية والهاء الرأي العام الإرتري عن المشكلات الحقيقة التي تهدد مستقبل الوطن والاخفاقات المتوالية للنظام وتبديد الثروات عبر اتفاقيات في الغرف المظلمة.
لقد حاول النظام عبر العقود الماضية إلهاء الناس بالأقنعة التي أجاد استعمالها لينسى الناس مأساتهم ويشعرهم بأنهم أقزام أمام القائد “الملهم”، ويبدو بأن حاكم اسمرة لم يتعلم من التجارب الإنسانية فسياسة العمل على إلغاء العقول ومحاربتها وتهجيرها هي سياسة قصيره النظر لأن فرضية إن العقل الجمعي ساذج وبالإمكان اقتياده إلى الأبد اثبتت فشلها حتى مع الذين كانوا جزءًا من النظام وداعمين لأطروحاته.
إن أزمة نظام الهيمنة أوجدت وعيا جديدًا عند الإنسان الإرتري وعند كل مقاوم لهذه العصابة حيث أصبح الوعي وطنيا بامتياز ويعمل علي تأهيل الذات و امتلاك حقائق المرحلة ومتغيراتها ويبني آفاقًا جديدة للعمل على جميع المستويات، وأبناء المنخفضات الإرترية اليوم أكثر إدراكًا لقضاياهم الخاصة، وأكتر وعيًا بالقضايا الوطنية، وأن المظالم التي ارتكبها النظام والحروب التي قادها عبر الحقب المختلفة، كل هذا أحدث وعيا جديدا تمثل في المطالبة بالحقوق بصورة واضحة وطرح تساؤلات سياسية وثقافية جديدة على المجتمع المنخفضاتي مثل قضية الهوية الثقافية وقضايا الأرض، والعقد الاجتماعي و إدارة التنوع، ويجب أن تعمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني على تعميق هذا الوعي عبر وسائل إعلامها والسعي بالنهوض بالمجتمع من خلال إصلاح الفكر والسلوك و حشده من أجل نيل الحقوق وإعلاء القيم التي آمن بها الرعيل الأول الذين قدموا أرواحهم رخيصة ليعيش أبناءهم في عزة ورخاء.
————–